مرسوم المنحة الرئاسية وعلاقته بمناطق الشمال السوري

أصدر الرئيس أحمد الشرع مؤخرًا مرسومًا يقضي بصرف منحة مالية لمرة واحدة بمناسبة عيد الأضحى المبارك، مستهدفًا العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين، بالإضافة إلى أصحاب المعاشات التقاعدية. يمثل هذا المرسوم، في ظاهره، بادرة إيجابية تهدف إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية على شريحة واسعة من المجتمع في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد. إلا أن استثناء مناطق الشمال السوري، وتحديدًا مناطق "درع الفرات" و "غصن الزيتون" و "نبع السلام"، من هذا المرسوم أثار موجة من الاستياء والاستنكار، محولًا هذا المرسوم إلى قضية خلافية تتجاوز مجرد منحة مالية لتطرح تساؤلات جوهرية حول الهوية الوطنية، والمواطنة المتساوية، ومستقبل العلاقة بين الدولة والمناطق الخارجة عن سيطرتها المباشرة.
إن قرار استثناء موظفي الشمال السوري من المنحة المالية، على الرغم من كونهم جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والاقتصادي السوري، يثير العديد من التساؤلات المشروعة. فقد اعتبر العديد من المراقبين والمحللين هذا الاستثناء بمثابة تمييز غير مبرر، خاصة وأن هؤلاء الموظفين يعانون من ظروف معيشية قاسية نتيجة للنزاع المسلح وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية.
وقد جاء رد الفعل الأقوى من نقابة المعلمين الأحرار، التي أصدرت بيانًا شديد اللهجة تستنكر فيه هذا الاستثناء، مؤكدة على أن معلمي الشمال جزء لا يتجزأ من الجسد السوري ويقومون بواجبهم الوطني في ظل ظروف استثنائية. وطالبت النقابة بتوضيح رسمي لسبب الاستثناء، وإدراج معلمي الشمال ضمن أي برامج دعم مستقبلية تصدرها الحكومة، مشددة على ضرورة أن يكون الإنصاف والعدالة أساسًا لأي عمل حكومي قادم.
إن صدى هذا الاستنكار لم يقتصر على نقابة المعلمين، بل امتد ليشمل قطاعات واسعة من المجتمع في الشمال السوري، الذين عبروا عن شعورهم بالتهميش والإقصاء. وقد أشار العديد من المواطنين إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التعامل مع مناطقهم بشكل مختلف عن باقي مناطق البلاد، مستشهدين بصعوبة الحصول على الوثائق الرسمية وتحديثها، حيث يضطرون إلى التعامل مع جهات متعددة لإثبات هويتهم وتسجيل واقعاتهم المدنية.
وقد أكد أحد المواطنين على أن الحصول على ورقة من "نفوس حكومة الإنقاذ" أو "دمشق" أصبح ضروريًا لقيد النفوس، مما يعكس حالة من الارتباك والتشتت في الإجراءات الرسمية.
إن استمرار هذه السياسات التمييزية تجاه مناطق الشمال السوري قد يؤدي إلى تفاقم الشعور بالاستياء والإحباط لدى السكان، ويزيد من حدة الانقسامات المجتمعية، ويقوض الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية. إن التعامل مع هذه المناطق يتطلب رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة التي تمر بها، وتضمن حقوق جميع المواطنين على قدم المساواة، دون تمييز أو إقصاء.
إن المطالبة بالإنصاف والعدالة ليست مجرد شعارات، بل هي أسس أساسية لبناء مجتمع متماسك وقوي. لذا، يجب على الحكومة السورية أن تتحمل مسؤوليتها في معالجة هذه القضية بشكل جدي ومسؤول، من خلال اتخاذ خطوات عملية تهدف إلى:
توضيح أسباب استثناء مناطق الشمال السوري من المنحة المالية، وتقديم مبررات منطقية ومقنعة لهذا القرار.
- إيجاد آليات بديلة لتقديم الدعم المالي والاجتماعي للموظفين والمتقاعدين في هذه المناطق، بما يضمن حصولهم على حقوقهم كاملة.**
- تسهيل الإجراءات الرسمية المتعلقة بتسجيل واقعات الأحوال المدنية وتحديث الوثائق الثبوتية، بما يضمن حقوق المواطنة لجميع السكان.**
- إطلاق حوار وطني شامل يشارك فيه ممثلون عن جميع المناطق السورية، بهدف وضع رؤية مشتركة لمستقبل البلاد، وتجاوز الانقسامات والخلافات.**
إن تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في سوريا يتطلب معالجة جذرية للأسباب الكامنة وراء هذه المشكلات، وتبني سياسات عادلة ومنصفة تضمن حقوق جميع المواطنين، وتعزز الوحدة الوطنية. إن المرسوم الرئاسي، الذي كان من المفترض أن يكون بادرة خير، تحول إلى اختبار حقيقي لقدرة الدولة على التعامل مع التحديات المعقدة التي تواجهها، وإعادة بناء الثقة بينها وبين جميع مكونات الشعب السوري. إن الحل يكمن في الحوار والتفاهم والعدالة، وليس في التمييز والإقصاء.